*الحقوقية انوار داود الخفاجي*
في كل موسم انتخابي، تُعاد المأساة بصور مختلفة، لكن الجرح ذاته بيع الأصوات والبطاقات الانتخابية مقابل حفنة من المال، أو كيس مواد غذائية، أو وعد كاذب بوظيفة لا تأتي. يُقبل بعض المواطنين على هذه الصفقة وكأنها أمر عادي، متناسين أنهم لا يبيعون ورقة انتخاب فقط، بل يبيعون حاضرهم ومستقبل أولادهم ووطنهم بأبخس الأثمان.
كيف يسمح ضمير المواطن العراقي لنفسه أن يفرّط بصوته، وهو يعرف أن هذا الصوت هو سلاحه الوحيد ضد الفساد والفشل؟
كيف يغفل أن من يشتري صوته اليوم، سيشتري منصبه غدًا، ويشتري ذمته، ويسرق خيرات البلد، دون أن يرف له جفن؟
بيع الأصوات هو جريمة أخلاقية قبل أن تكون مخالفة قانونية، وهو خيانة لدماء الشهداء، ولأحلام الفقراء، ولأمل الشباب العاطل الذي يحلم بوظيفة، وتعليم، وصحة، ومستقبل أفضل. هو مساهمة مباشرة في إبقاء نفس الوجوه التي أوصلت العراق إلى الانهيار، في مواقع القرار والسلطة.
إن من يبيع صوته اليوم، هو من سيشتكي غدًا من البطالة، وسوء الخدمات، وتردي التعليم، وغياب العدالة.
من يرضى بالفتات المؤقت، لا يحق له أن يطالب بوطن يُبنى بكرامة وعدالة واستحقاق.
ومن يسكت عن شراء الضمائر، لا ينتظر أن يأتيه برلمان نزيه، أو حكومة تحترم الشعب.
هذا السلوك، للأسف، لا ينبع من الجهل فقط، بل من اليأس أيضًا؛ يأس المواطن من إمكانية التغيير، وشعوره بأن صوته لا يغيّر شيئًا. وهنا تقع المسؤولية على الجميع الدولة، والنخب، والمؤسسات الدينية، والإعلام، ومنظمات المجتمع المدني، لتوعية الناس بأن الصوت الانتخابي ليس مجرد إجراء، بل أمانة ومسؤولية وطنية.
نحتاج إلى ثورة ضمير قبل ثورة صناديق. نحتاج أن نُعيد للناس إيمانهم بقيمة صوتهم، وأن نقول لهم لا تبيعوا الوطن بسعر وجبة غذائية ، لأن من يشتريك اليوم، سيتخلى عنك غدًا حين تصل إلى باب المستشفى ولا تجد دواء، أو حين ينقطع التيار في عزّ الصيف، أو حين يُرفض ابنك في التعيين لأنه لا يملك “واسطة”.
بالنهاية العراق لا يُبنى بمال فاسد، ولا بمسؤولين جاءوا بأموال مشبوهة. العراق يُبنى بمواطنين أحرار، يحمون أصواتهم كما يحمون بيوتهم وأطفالهم.
فهل آن الأوان أن نقول كفى بيعًا للوطن… كفى صمتًا على الفساد”؟