هادي جلو مرعي
على مدار العشرين عاما الماضية جلت بلدانا عدة مهمة. ولعلي ذهبت الى فرنسا لأربع مرات متتالية، ولفترات زمنية محددة، وفي الخامسة كانت باريس محطة للعبور الى دولة بعيدة، وزرت إيطاليا لأحد عشر يوما، وإيران لخمس مرات، والأردن التي أحب لأحدى عشرة مرة، وتركيا لمرتين، ولمرات كمحطة عبور، وأمريكا حيث جلتها شرقا وغربا، وكندا كذلك، وسوريا لمرة قد لاتتكرر، ومصر التي في خاطري لخمس مرات، ولبنان لأربع مرات، والسعودية لمرة، وقد لاتتكرر بنية العمرة، فالخليج لايستهويني كثيرا زيارة بلدانه الطيبة، ودولا أخرى، وأفاخر إنني لست موظفا حكوميا، ولا وزيرا ولامسؤولا في قطاع تنفيذي لأتقاضى مبلغ الإيفاد، وهو من خزينة الدولة التي أنفقت عشرات ملايين الدولارات في إيفادات لم تكن ذات قيمة بإستثناء زيارات لوفود لمهام محددة، وتسعد حين توجه لك دعوة لزيارة بلد ما، ويتحمل الداعي تلك التكاليف بإستثناء زيارة، أو زيارتين لدولة، أو دولتين كانت على حسابي، وبطريقة التلزيق، وكانت رحلة العمرة بدعوة من صديقي حجي حيدر من منطقة الكسرة ببغداد عام 2014 .
راقبت لأعوام، وهذا العام موسم الحج في الأراضي المقدسة، وقيل: إن أصحاب التجارات والأعمال وعشرات، وربما مئات المسؤولين الحكوميين من جمهورية العراق حضروا الموسم، وعديد هولاء لم يكن يملك من حطام الدنيا شيئا، وكانت لهم صولات وجولات هناك، وقيل إن البعض منهم إستأجر شققا فارهة، وأماكن حجوزات مميزة لقضاء تلك الأيام المباركة، وكنت ألحظ بكاء نساء كثر، وشيوخ طاعنين في السن يتمنون نيل فرصة الذهاب الى مكة، والطواف في الكعبة، وزيارة المدينة المنورة، ولايستطيعون لأسباب منها مالية لضيق ذات اليد، أو بسبب القرعة التي تختار صاحب الحظ العظيم مع إن القرآن الكريم يقول : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. والسبيل هو الزاد والراحلة على عهد النبوة والخلافة، ثم الى وقت قريب كان الناس يذهبون دون قرعة، ويتزودون بالطعام والراحلة التي تحولت الى قطار وطائرة وسيارة ولكنها اليوم غير ممكنة للجميع، بل هي صعبة المنال، ولاضير في التطوع لأداء الحج كل عام مع إن الحج لمرة يغني وكفاية لمن إستطاع إليه سبيلا، غير أن ذلك غير ممكن. فالزاد والراحلة لم يعودا هما الحاجة للوصول الى مكة، بل المال الوفير، وتخصيص مقاعد محددة لكل بلد، وحتى البلد الذي فيه الكعبة فلايسمح للجميع التوجه الى الحج إلا بشروط مقاربة لشروط دخول غير أهل البلد.
وفي العراق ننتقد ذهاب مسؤولين كثرا الى مكة مستغلين نفوذهم ومناصبهم كما قيل، ولاأجزم في ذلك.. فأنا لاأميز بين الوقف الشيعي وهيئة الحج والعمرة حتى إنني ولوقت قريب لاأعرف من هو رئيس الوقف الشيعي، ومن هو رئيس هيئة الحج حتى تبينت ذلك من صديق لي إبيضت عينا والدته التي تبكي وتبكي، وتنتظر الفرصة قبل الموت لتكون في الكعبة والمدينة، ونشكك في طريقة ذهاب بعض الحجيج مع إن هيئة الحج العراقية فازت بجائزة الأفضل في الإدارة من بين جميع بعثات الحج الأخرى، ولاأستغرب فقد هرمت حتى إنني لاأعرف أسماء أغلب وزراء الحكومة الحالية، ولاأعلم بالضبط هل هو التقدم بالعمر، أم اللامبالاة بسبب تراكمات وتقلبات في الحياة. ولأننا تجاوزنا الحج والعمرة، ودخلنا في منافسات الأولمبياد الباريسي فقد إنتقد مواطنون وجود زعامات سياسية ومسؤولين حضروا إفتتاح الألعاب، وهم لايعترضون على ذهابهم هناك، ولكنهم يتسائلون عن الأموال التي أنفقت، والجهة التي تحملت تكاليف رحلة كل مسؤول، فأصحاب المولات وشركات بيع السيارات والفنانون والشعراء والتجار لاجناح عليهم دون البحث في كيفية تحصيلهم الأموال في بلاد تزوجت الفساد، وأنجبا أغرب تشكيلة بشرية في تاريخ الكوكب، لكن مسؤولين بدرجات وظيفية عالية يشكك البعض في طريقة تمويل رحلتهم الى باريس، وهي رحلة مكلفة للغاية، ومن غير المعقول لبعضهم أن يكون إنفاقه محدودا مع حاشيته وموظفين لديه، وشبه بعض العراقيين هجوم المسؤولين على عاصمة النور بموسم الحج، لكنهم نوهوا الى أن الكعبة ليست في باريس، فلا مقارنة.