بقلم الخبير المهندس حيدر عبدالجبار البطاط
في يوم الأحد الموافق 24 نوفمبر 2024 و بعد ان زرت مرقد الامام علي عليه السلام
حملني الفضول إلى مقبرة وادي السلام في النجف الأشرف
حيث التاريخ يغمر المكان والهدوء يتخلل الأرواح.
كانت المقبرة تعج بالصمت، إلا أنني شعرت وكأنها تهمس لي بأسرارها.
قررت أن أكسر حاجز الصمت وسألت الموتى بصوت مسموع:
حدثوني عن حياة ما بعد الموت
فجأة، انبثق صوت خافت من أحد القبور، قال لي
أنا سأخبرك .
اللحظات الأولى للموت
بدأ المتحدث بقوله
عندما بدأت روحي تُنتزع، شعرت بألم يفوق الوصف. كانت اللحظات تبدو وكأنها تمتد لعشرات السنين، لكنها بالنسبة لكم، الأحياء، ليست إلا دقائق معدودة.
بدأت الأصوات من حولي تخفت، والسواد أمام عيني يزداد.
شعرت وكأن سكاكين تقطع جسدي ببطء، وكأن الهواء يُمنع عني.
استمر هذا الألم زمناً طويلاً، لكنه لديكم قصير.
الصعود إلى السماء
ثم قال
رأيت ملكين يقبضاني ويرتفعان بي نحو السماء.
كان المشهد غريباً، الأرض تصغر تحت عينيّ، والسحاب يخترقني.
شعرت وكأنني في طائرة، لكن هذه الطائرة لا تتوقف. رأيت الأرض كأنها كرة صغيرة.
حاولت أن أسأل الملكين
إلى أين نحن ذاهبون؟
لكنهما لم يجيبا.
المدن السعيدة والحزينة
أثناء رحلتي، مررت بمدنٍ مذهلة، كانت مليئة بالسعادة، والروائح العطرة تفوح منها، وأناس يبدون وكأنهم في نعيم لا ينتهي.
ثم عبرت مدناً أخرى قبيحة، تفوح منها الروائح الكريهة، والناس فيها يعيشون في حزن دائم، وأعمارهم تبدو كأنها تمتد لألف سنة.
علمت أن كل مدينة كانت تعكس حياة سكانها في الدنيا
السعداء كانوا ملتزمين بالدستور الإلهي وزاهدين في الدنيا، بينما الحزينين كانوا مفرطين في الرفاهية، غافلين عن الآخرة.
الندم على الفرص الضائعة
قال لي المتحدث:
ندمت على كل لحظة أضعتها في حياتي دون أن أعمل لأضمن لي مكاناً في المدينة الجميلة.
أدركت أن كل ثانية في حياتكم تتحول إلى سنوات في الحياة العليا.
لو كنت أعلم، لاستغليت كل لحظة من عمري.
الزمن والمكان في الحياة العليا
عندما سألته عن مكانه وكيف يمكنه الحديث معي، قال:
الزمن والمكان لدينا مختلفان تماماً.
نحن في حالة طاقة فائقة تُعرف لديكم بالروح، بينما أنتم في حالة طاقة متدنية تسمى الجسد.
نستطيع أن نرى، ونسمع، ونتجول في أبعاد لا يمكنكم تصورها.
الزمن لديكم خطي، أما لدينا فهو متعدد الأبعاد، والمكان لديكم محدود، أما نحن فمدياتنا بلا حدود.
ثم اختفى الصوت، وعادت المقبرة إلى صمتها المهيب. وقفت هناك، مثقلاً بالأفكار.
أدركت أن هذه الحياة ليست سوى مرحلة عابرة، وأن علينا أن نعيشها بتوازن بين العمل والروح، بين الزهد والتمتع، وبين التطلع للآخرة وعيش الحاضر.
كانت تلك اللحظة درساً، ليس لي فقط، بل لكل من يسعى لفهم معنى الحياة والموت.
بعدها ركبت السيارة و رجعت الى بيتي في محافظة البصرة و مباشرة ذهبت إلى سريري لكي انام بعد هذة الرحلة.