*الحقوقية انوار داود الخفاجي*
يحتفل العراقيون بعيد الأم تقديرًا لتضحيات الأمهات وعطائهن اللامحدود، ولكن هل تعيش الأم العراقية اليوم في أفضل حالاتها اقتصاديًا وقانونيًا وسياسيًا؟ هذا السؤال يتطلب استعراضًا للواقع الذي تعيشه النساء العراقيات، خصوصًا الأمهات، في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الراهنة.
لطالما كانت الأم العراقية مثالًا للتضحية والصبر، حيث تحملت أعباء الحروب والنزاعات التي مر بها العراق على مدى العقود الماضية. فقد كانت وما زالت العمود الفقري للأسرة، تتحمل مسؤوليات تربية الأبناء في ظل غياب الأزواج نتيجة الحروب أو الأوضاع الأمنية المتقلبة. كما تحملت فقدان الأبناء في النزاعات أو نتيجة الإرهاب، ما جعلها رمزًا للصبر والتحمل.
إلى جانب ذلك، لعبت المرأة العراقية دورًا كبيرًا في المجتمع، سواء كانت عاملة أو ربة منزل، وساهمت في بناء الأجيال التي حملت العراق على أكتافها رغم التحديات الكبرى. ومع ذلك، فإن وضعها القانوني والاقتصادي والسياسي لا يزال يواجه الكثير من التحديات التي تحد من تحقيقها لحياة كريمة ومستقرة.
الواقع الاقتصادي للأمهات العراقيات يعكس التحديات التي تواجه المجتمع بأسره، حيث تعاني الكثير من النساء من الفقر والبطالة، خاصة الأرامل والمطلقات اللواتي يشكلن نسبة كبيرة بسبب الحروب والاضطرابات. ورغم وجود برامج دعم حكومية ومساعدات اجتماعية، إلا أنها غالبًا ما تكون غير كافية لتلبية احتياجات الأسر، مما يدفع بعض الأمهات للعمل في ظروف صعبة أو الاعتماد على الإعانات الخيرية.
وفيما يتعلق بالنساء العاملات، تواجه الأم العراقية صعوبات في تحقيق التوازن بين العمل والأسرة بسبب نقص الدعم مثل رياض الأطفال المناسبة وتوفير إجازات أمومة مدفوعة بشكل عادل. كما أن الفجوة في الرواتب بين الرجال والنساء ما زالت قائمة، ما يجعل الاستقلال الاقتصادي للمرأة العراقية أمرًا صعب التحقيق.
من الناحية القانونية، لا تزال الأم العراقية تعاني من قوانين غير منصفة في بعض الجوانب، خاصة فيما يتعلق بحقوق الحضانة والميراث وحماية المرأة من العنف الأسري. رغم أن العراق وقع على العديد من الاتفاقيات الدولية التي تعزز حقوق المرأة، إلا أن التطبيق الفعلي لهذه القوانين لا يزال بحاجة إلى تحسين، حيث تواجه النساء صعوبة في الوصول إلى العدالة بسبب العادات الاجتماعية أو نقص الوعي القانوني.
كما أن ظواهر مثل الزواج القسري وزواج القاصرات لا تزال قائمة في بعض المناطق، مما يزيد من معاناة الأمهات اللاتي يجدن أنفسهن مسؤولات عن أسر في سن مبكرة، دون دعم كافٍ من المجتمع أو الحكومة.
أما من الناحية السياسية، فقد قطعت المرأة العراقية خطوات مهمة في التمثيل السياسي، حيث تمكنت من دخول البرلمان والحكومة والمناصب الإدارية. لكن رغم هذه الإنجازات، لا تزال المرأة تواجه تحديات كبيرة في التأثير الفعلي على صنع القرار، حيث تُهيمن الثقافة الذكورية على العديد من المجالات السياسية.
ورغم وجود كوتا نسائية في البرلمان العراقي، إلا أن مشاركة المرأة السياسية لا تزال تواجه تحديات مثل التمييز السياسي وضعف الدعم المجتمعي، ما يجعل تأثير الأمهات العراقيات على صياغة السياسات التي تؤثر على حياتهن محدودًا.
ختامًا هل تعيش الأم العراقية في أحسن حالاتها؟
الإجابة على هذا السؤال تتطلب رؤية واقعية ومتوازنة. فرغم أن الأم العراقية حققت تقدمًا في بعض المجالات، إلا أنها لا تزال تواجه تحديات اقتصادية وقانونية وسياسية كبيرة. هناك حاجة ملحة لتحسين الوضع الاقتصادي من خلال دعم المرأة العاملة وزيادة الفرص الاقتصادية، وإصلاح القوانين لضمان حقوق المرأة بشكل عادل، وتعزيز مشاركة المرأة في صنع القرار السياسي.
في عيد الأم، لا يكفي تقديم التهاني والهدايا، بل يجب أن يكون هذا اليوم فرصة للتفكير في كيفية تحسين حياة الأمهات العراقيات، وضمان حصولهن على حقوقهن كاملة، تقديرًا لتضحياتهن الكبيرة من أجل عائلاتهن ووطنهن.