هادي جلو مرعي
قائمة طويلة من التجارب مرت بنا، وكان ينبغي التذكير كل مرة بضرورة أخذ العبر منها، وليس صعبا تذكر الهجوم الجوي الإسرائيلي على مفاعل تموز مطلع الثمانينيات.. حينها إندلقت أمعاء رجل كان في الجوار جنوب العاصمة بغداد ولكنه لم يفقد حياته، فقد أجريت له إسعافات أولية، ونقل الى المشفى، وعاش لسنوات لاحقة.حينها تخلى صدام حسين عن الفكرة، وبقي مفاعل تموز شاخصا تحيط به سواتر من التراب، ولوثت بعض الأماكن، وقيل إن مواطنين عاديين نهبوا بعض محتوياته، وكانت ملوثة العام 2003 .حينها كان صدام وبعض الزعماء العرب يتحدثون عن فلسطين بوصفها قضية العرب، وعن إسرائيل بوصفها العدو الأول للأمة. هولاء جميعا أزيحوا، وبقي الذين قرروا الإبتسام في وجه كل رئيس أمريكي، وطبعت تلك الإبتسامة وجه كل زعيم يطلب منه سيد البيت الأبيض التطبيع مع إسرائيل التي ينبغي أن تبقى متربعة في الصدارة، وأن يحفظ وجودها، ويتشارك معها الغرب المخاوف من العرب، ومن يهدد أمنها من المسلمين حتى لو كانوا بعيدين في باكستان، أو ماليزيا وأندنيسيا.. فإسرائيل في النهاية صنيعة الغرب، ويمكن لليهود أن يسافروا الى الغرب، ويعملوا فيه، ويتشاركوا معه المصالح، ولكن دولتهم هي فلسطين، وليست القارة العجوز لأن واحدة من أهم أسباب قيام الدولة العبرية هو رغبة الأوربيين في التخلص من الأرق المزمن الذي يسببه اليهودي المزعج، والذي ينبغي أن يكون بعيدا عنهم في الجغرافيا، قريبا منهم في كل شيء عدا أن يكون جزءا من حياتهم.
في آخر أيام ديسمبر 2002 وأول أيام عام 2003 كانت الإشارات واضحة بقرب هجوم أمريكي على العراق، وكانت القنوات الثلاثة المتاحة لي حينها شبكة الأخبار العربية ANN وقناتي الجزيرة والعربية وكانت صور حاملات الطائرات الأمريكية وهي تقترب من بحر العرب والخليج تسلب العقول والترقب سيد اللحظة، والسؤال: ماذا تفعل واشنطن بكل تلك الحشود، وبينما كانت بغداد تتحدث عن الصمود والأطفال يهزجون بحب القائد، وبعض دوريات الرفاق تنتشر في الأزقة، وفدائيو صدام يتواجدون في أماكن معينة كان جنود المارينز ينصبون بعض المعدات الحساسة، ومن حين لآخر كانت المروحيات الأمريكية تهبط في صحراء وأودية بعيدة تراقب وتنصب أجهزة حساسة، وكان بإمكان العراقيين أن يصدقوا تصريحات رفيق سلمان عن النصر، ويكذبوا ماعدا ذلك حتى لو وصلت الأمور الى خواتيمها.
زار رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية الفرنسي غروسي طهران، شكك الإيرانيون بنواياه، ترامب صرح في مناسبات عدة إن المفاوضات مع طهران قد تفشل، الإسرائيليون يريدون ذريعة قانونية، وكالة الطاقة الذرية إجتمعت، وصوتت على إن سلوك إيران النووي مهدد للمعاهدات الدولية بخصوص مستوى تخصيب اليورانيوم، وواشنطن تقر بإمكانية القيام بأعمال عسكرية ضد المفاعلات الإيرانية، الأوربيون من جانبهم شككوا بجدوى المفاوضات نكاية بواشنطن التي أقصتهم عن أي دور لهم فيها قد يتيح لهم منافع إقتصادية لاحقة في إيران، وأعلنوا صراحة إن الملف النووي الإيراني يشكل تهديدا ليس لوجود إسرائيل بل للحضارة الغربية كاملة.. الحجج والذرائع توفرت، والقناعات تهيأت، وصار من الطبيعي أن تقوم إسرائيل بتوجيه الضربة مستندة الى موقف أمريكي أوربي مؤيد وراسخ في دعمها، ولاتهتم بعد ذلك للإدانات الدولية. قادة الخليج رتبوا الأمور مع واشنطن أنهم ليسوا طرفا في المعركة، وبالفعل فقد صدرت مواقف تدين العملية الإسرائيلية، وواشنطن قالت: إنها ليست طرفا، لكنها ستدافع عن إسرائيل. العالم لايهتم كثيرا لضرب إيران لكن الغرب يريد أن تكون المواجهة إسرائيلية إيرانية، ولكي لاتجد إيران مبررا لضرب المصالح الأمريكية والعربية.. الأيام المقبلة ستشهد تطورات لافتة، لكن ينبغي الإنتظار..