بقلم / أحمد عبد الصاحب كريم
يعتبر نظام "سانت ليغو" (Saint-Laguë) المعدل أحد أبرز طرق توزيع المقاعد في الأنظمة الانتخابية المعتمدة على التمثيل النسبي، وقد استخدمته العديد من الدول خاصةً العراق في حين يُقدم هذا النظام ظاهرياً كأداة رياضية محايدة لضمان عدالة التوزيع إلا أن آليته الحسابية تحمل في طياتها "هندسة خفية" تعيد تشكيل المشهد السياسي مُرجّحةً كفة الأحزاب والكتل الكبيرة على حساب الكيانات السياسية الناشئة و القوائم الصغيرة والمرشحين المستقلين
كيف يعمل نظام "سانت ليغو"؟ يعتمد نظام "سانت ليغو" على قواسم فردية متزايدة (1، 3، 5، 7، وهكذا) تُستخدم لتقسيم عدد الأصوات التي حصلت عليها كل قائمة ويتم ترتيب نواتج القسمة (المُسمّاة "المعدلات" أو "العوامل الانتخابية") تنازلياً تُمنح المقاعد البرلمانية للقوائم صاحبة أعلى هذه المعدلات حتى يتم توزيع جميع مقاعد الدائرة الانتخابية
النسخة المعدلة (المستخدمة في بعض الأحيان) في بعض التطبيقات يتم تعديل القاسم الأول من (1) إلى رقم أعلى، مثل (1.4) أو (1.6) مما يزيد من قوة تأثير هذا النظام لصالح الكتل الكبيرة
تفضيل الكتل الكبيرة مبدأ "القاسم العادل" في غير محله يكمن قلب الإشكال في كيفية عمل القواسم
• الميزة التراكمية: عندما تحصل قائمة كبيرة على عدد كبير من الأصوات فإنها تحتفظ بمعدلات عالية نسبياً حتى بعد تقسيمها على القواسم الأولى (1، 3) وهذا يضمن لها الحصول على المقاعد الأولى بأريحية تامة ، فمثلاً قائمة حصلت على 150,000 صوت ستحصل على معدلات (150,000 / 1) و (50,000 / 3) و (30,000 / 5)، وهي قيم يصعب على قائمة صغيرة بمجموع أصوات 10,000 أن تحققها إلا عند القواسم المرتفعة جداً (التي تكون المقاعد قد انتهت عندها)
• عتبة الفوز المُرتفعة : يفرض النظام فعلياً "عتبة فوز" خفية غير معلنة يجب على القائمة الصغيرة أن تحقق عدداً كبيراً نسبياً من الأصوات للحصول على معدل يسمح لها بالمنافسة على المقعد الأول أو الثاني مما يجعل أصواتها "ضائعة" إذا لم تتمكن من تجاوز هذه العتبة العالية
إقصاء وتهميش القوائم الصغيرة والمستقلين يُعد "سانت ليغو" نظاماً قاسياً على القوى السياسية الناشئة أو القوائم المستقلة لعدة أسباب :
• تفتيت الأصوات : غالباً ما يتوزع المصوتون للقوائم الصغيرة والمستقلين على قوائم متعددة ولأن النظام يكافئ تجميع الأصوات في سلة واحدة تصبح أصواتهم متناثرة وغير كافية لتحقيق "المعدل الانتخابي" اللازم للفوز
• خسارة "بقايا الأصوات" : في حين أن القائمة الكبيرة قد تفقد عدداً من الأصوات التي تزيد عن حاجتها للفوز (ما يُسمى "بقايا الأصوات") فإنها تكون قد ضمنت مقاعدها مسبقاً ، أما القائمة الصغيرة التي تفشل في الحصول على المقعد فتذهب كل أصواتها هدراً حيث لا توجد آلية فعالة لتعويض هذه الأصوات أو تجميعها على مستوى وطني
• تشجيع "التحالفات المصطنعة" : يدفع النظام القوائم الصغيرة إلى الدخول في تحالفات إجبارية مع الكتل الكبيرة لضمان عدم ضياع أصواتها هذا يضعف من استقلاليتها ويعزز سيطرة القوى المهيمنة على القرار السياسي داخل البرلمان
الخلاصة : التكريس التشريعي للهيمنة ان نظام "سانت ليغو" بهذه الآلية لا يضمن فقط التمثيل النسبي بل يضمن استمرارية هيمنة الكتل السياسية الراسخة التي تمتلك القدرة المالية والتنظيمية على حشد الأعداد الهائلة من الأصوات وإنه يقلل بشكل كبير من فرص التغيير السياسي عن طريق الوجوه الجديدة والمشاريع المستقلة ويحوّل الانتخابات من معركة أفكار إلى منافسة رياضية لضمان أعلى معدلات قسمة مما يؤدي إلى برلمان يعكس في غالبيته التوازنات التقليدية القائمة مُعطِلاً بالتالي تطلعات الناخبين للتجديد والإصلاح وخير مثال على ذلك هو فوز النائب السابق رائد المالكي وحصوله على أعلى الأصوات في محافظة ميسان بمعدل أكثر من (١٢٠٠٠) ألف ناخب إلا أنه لم يستطيع الحصول على مقعد في قبة البرلمان بينما حصل مرشحون على أرقام أقل بكثير من أصوات النائب رائد المالكي وحصلوا على مقعد في قبة البرلمان بسبب حسابات سانت ليغو .
