JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
BASRAH WEATHER
Home

وثيقة وسيرة وذكريات .. .


 اصبع على الجرح . 

بقلم : منهل عبد الأمير المرشدي ..

في صالة العمليات حيث كان الجسد ملقيا يحمل ألاهات والآلام والأسى الطويل في القلب العليل .. ساعات كان بها القلبٌ يكتب من تحت الضوء البارد في تلك الصالة البيضاء التي يختلط فيها صمتُ الجدران بصوت انين الأجهزة، .. كأنه في تلك اللحظات لم يكتب شيئا .. كأنه شاعرٌ يكتبُ آخرَ قصائدِه دون قلم . رسام بلا ريشة ولا لوحة ولا أثر .. كلُّ خفقةٍ في صدره بيتُ شعرٍ من دون خاتمة لبيت القصيد ، وكلُّ ألمٍ في قلبه استعارةٌ تبحثُ عن نهايةٍ تليقُ بالوجع . كان الضوءُ فوق رأسه ليس ضوءَ الإلهام بل ضوءُ مشرطٍ باردٍ ينتظرُ إشارة الطبيب . .. كان يحس ويشعر ويعرف أن بين النصل والكلمة خيطًا واحدًا من القدر .. استمرت في ذاكرته مشاهد توقفت منذ ولادته عن بلدٍ علّم أبناءه كيف ينشدون تحت القصف وتحت الألم وتحت الخوف ، كأن القلبُ أمسى عنده دفترًا للحزن بعد أن أثقله الأسى والعشق والهوى والظلم فلم يضعف رغم أن المرض لم يكن هو الخصم الوحيد بل رافقه الصمت القاهر مرارا وتكرارا . طال وقت الرقود في صالة العمليات أكثر من أربع ساعات ونصف الساعة بما في من ٱلام وقلق تحت بنج موضعي يغمضُ عينيه قليلًا فيرى بغداد كما رآها في قصائده مدينةً تتوضّأُ بدموعِها وتنهضُ لتكتبَ التاريخ مرّةً أخرى . يبتسم رغم الٱهات ورغم يقينه بإن بغداد اليوم نهب للكلاب والذئاب والأفاعي .. ويتذكّر كم مرّةً كتب عن الغربة وهو في وطنه وعن الموت وهو ما يزالُ في عداد الأحياء . وعن الحبّ والغزل والجمال وقت الضحى وعند إطلالة المساء رغم أنفِ الخراب . كان الجسد مأسورا تحت ضوء صالة العمليات يسمعُ صدى أصواتٍ بعيدةٍ تأتيه من ذاكرة عنيدة . صوتُ أمّه الحبيبة وهي تدعو له بسلامة القلب الجريح صوتُ صديقٍ رحل مظلوما في الحرب الظالمة . صوت نزر يسير من الأحبة . صوت أولاده وابنته الحبيبة وصاحبته في شراكة العمر الطويل . صوتُ القصيدة التي لم يكتبها بعد تهمسُ في اذنيه ؛ عد إليَّ فما زال في الحياة بيتٌ ناقص لم يكتب بعد .. جسدُ مسجى يرتجف لحظةَ دخول الإبرة كمن يتهيّأ لولادةٍ ثانية إلى عالم الغرابة والرعب والألم 

وحين يتسرّبُ المخدّر إلى عروقه يشعر أن كل كتاباته أيضًا تنام معه ، لكن شيئًا صغيرًا يرفضُ الغياب ربما هو الحلم في وطن نقي من الفساد والظلم والنفاق والأصنام والعبيد . وربما الكلمة التي ما زالت عالقةً على طرفِ القلب ليكمل المقال اصبعا فوق الجرح . همسات يسمعها الكاتب قول الأطباء إن الجراحة نجحت لكن أحدًا لن يدرك أن القصيدة هي التي أنقذتْه قبل المشرط وأن الحروف كانت تهمس في قلبه ؛ اكتب حتى لو كان الورق صدرك والمداد دمك والغربة تحتويك من رأسك حتى قدميك .. ذكريات .. ليس إلا ذكريات . هكذا كانت وكان العاشق السرمدي لوطن الانبياء وعراق الوعد الموعود . فقد أفلح وأجاد حين ظلُّ يحاور الله جل وعلا بالايات والكلمات ويقاومُ الموتَ ببيتِ شعرٍ ويكتب للعالم أنَّ القلبَ حين يحبُّ يبقى يكتبُ حتى آخر نبضة ...

NameEmailMessage