أصبع على الجرح ..
.بقلم : منهل عبد الأمير المرشدي .
لم تفارقني يوما حبيبتي .. سيدة القلب بلا منازع وملكة جمال الكون التي لم تر لها عيني منافس . كانت ولا زالت تقف أمامي حيثما كنت في صحوي ومنامي .. ترافقني في سحر عينيها ولا أعرف من أي نجم هبطت تتدلى من كتفيها خيوط الفجر وتتناثر حول قامتها هالة من سحر لا يُقاوم . ظفائرها من ماء يمتد مثل نهر مترف يعرف طريقه إلى الدهشة وعطرها يشبه عطرا مبتكرا في ساعة كان فيها الخيال سيد المكان . كلما اقتربت منها انسكبت حروف الشوق في قلبي كأن لغة العشاق نسيت كل البشر وتذكرتني أنا وحدي .قالت لي بهمس في ترنيمة صمت هل تخشى من الجمال ؟ ام تخشى عليه ؟ أخبرتها مرارا اني أخاف أن يرحل أو أرحل ولا عودة بعد الرحيل . وابتسمت حبيبتي وكانت ابتسامتها كأنها نافذة انفتحت على زمن آخر .زمن تركت فيه الحضارات وشما على الأرض وبقي يخفق في نبضها. يا لها من دلع ودلال تمشي كأنها تحمل التاريخ في حقيبة يد صغيرة تتدلى في خنصرها وتتكلم وتكتب قصائد العمر كأنّ الشعر يتعلم مخارج الحروف من فمها . إذا نظرت إليها تغيرت ملامحها واستقام المكان وتحول العالم إلى خريطة من الدهشة واللاوجود . كنت أراها في المساء حين تجلس عند شاطئٍ دجلة تدندن أغنية قديمة وترسم بأصابعها دوائر الحلم على الماء كأنها توقظ الذاكرة من نومها. وكلما سألتها عن سر الفراق في عالم العشاق تبتسم وتترك السؤال معلّقاً في الهواء مثل رايةٍ تبحث عن ريح تهب عند الضحى وفق المزاح . ملكوت أم أسطورة هي حبيبتي ؟ فيها كل شيء بهي من كل الملكات وشيء من ايقونة الحياة في انامل الصبايا اللواتي كن يخبئن القمر تحت الوسادة وشيء من العاشقات اللواتي يكتبن رسائلهن بمداد من اللهفة . رأيتها مرارا تستيقظ بين الدخان وتنهض من بين الركام كأنها اعتادت أن تنتصر حتى على الرماد . وأحيانا كانت تبدو هادئة كطفلة تطارد سرب حمام وتضحك بصوت يشبه أجراس الفرح. وفي اللحظة الأخيرة حين سألتها أخيراً من أنت ؟ تقدمت بحياء . أزاحت شعرها عن كتفيها . مسحت بقطر الندى شفتيها
كما تفعل كل الجميلات الفاتنات قبل الاعتراف، وقالت بصوت يليق بها ويليق بالتاريخ وبالقصيدة وبالقلب الذي خفق منذ الصفحة الأولى .. أنا… بغداد ....