زيد شبّر
في تجارب الدول الخارجة من الصراعات، غالبًا ما يُنظر إلى وصول قوى مسلحة إلى الحكم بوصفه تهديدًا مباشرًا لفكرة الدولة. غير أن التاريخ الحديث يبيّن أن التحول من السلاح إلى السياسة قد يكون مدخلًا للاستقرار، إذا ما جرى ضمن إطار دستوري ومؤسساتي واضح.
شهد العالم نماذج متعددة لهذا التحول، من تجربة الجيش الجمهوري الإيرلندي، إلى كولومبيا مع القوات المسلحة الثورية الكولومبية، إذ جرى تفكيك السلاح مقابل الشراكة السياسية، وصولًا إلى جنوب أفريقيا التي انتقل فيها المؤتمر الوطني الأفريقي من حركة مسلحة إلى حزب يقود الدولة.
ما يميّز الحالة العراقية أن هذا التحول لم يأتِ نتيجة هزيمة أو اتفاق مفروض، بل من داخل العملية الانتخابية والدستورية. قوى ذات خلفية فصائلية وصلت إلى البرلمان عبر صناديق الاقتراع، وتشارك اليوم في إنتاج السلطة التنفيذية، وتعلن التزامها بحصر السلاح بيد الدولة.
هذا المسار — إن اكتمل — لا يعكس ضعفًا، بل نضجًا سياسيًا، يتمثل في الانتقال من منطق القوة إلى منطق الحكم، ومن شرعية السلاح إلى شرعية الدولة. وبخلاف نماذج إدارة السلاح خارج إطار الدولة، كما في تجربة أحمد الشرع، فإن العراق يختبر طريقًا أكثر تعقيدًا وطموحًا وهو إنهاء حالة السلاح الموازي من داخل النظام، لا على أنقاضه.
فحصر السلاح بيد الدولة في العراق ليس شعارًا سياسيًا، بل اختبار حقيقي للمسؤولية وقد يكون خطوة تأسيسية نحو نموذج مختلف في إدارة الانتقال من الصراع إلى الدولة.