د. صلاح الدليمي .
يبرز تحالف عزم، بقيادة الأستاذ مثنى السامرائي، كقوة سياسية صاعدة استطاعت في أول اختبار برلماني لها بهذا المسمى -بعد تجربة انتخابات مجالس المحافظات- أن تثبت حضوراً طاغياً بحصولها على 17 مقعداً؛ وهو منجز لم يكن وليد الصدفة، بل نتاج رؤية سياسية تتجاوز حدود الأرقام لترسخ مفهوم "الفضاء الوطني".
أخلاقيات التنافس ومنطق العقلانية
تنهض سياسة "عزم" على ركيزة أساسية وهي المشاركة الحقيقية، سواء ضمن الطيف السني أو في الدائرة الوطنية الأوسع. إن التحالف يرفض مبدأ "التفرد بالقرار"، ويؤمن بأن صناعة القرار الجماعي هي اللبنة الأولى في بناء سياسي سليم. وفي زمن طغت فيه الشعبوية، اختار "عزم" خطاباً عقلانياً محافظاً، مترفعاً عن الرد بالمثل، ومبتعداً عن أدوات الابتزاز، شراء الذمم، أو التسقيط السياسي، مؤثراً تغليب مصلحة الدولة على لغة الأزمات والتحريض.
المجلس السياسي الوطني: كسر احتكار القرار
جاء تشكيل المجلس السياسي الوطني كخطوة استراتيجية لتعزيز التفاهمات السنية الغائبة منذ عقد من الزمان. وكان الأستاذ السامرائي أول المرحبين والملبين لدعوة الحضور، مستعلياً على المشاكل الجانبية، وماداً يد الإخوة لشركائه. اعتمد المجلس منذ يومه الأول مبدأ الأوزان السياسية لا الأوزان العددية؛ حيث مُنح لكل عضو -بغض النظر عن حجم كتلته- صوتاً واحداً، تأكيداً على روح المساواة في صناعة القرار.
رئاسة البرلمان: استحقاق مكون لا ملكية حزبية
يرى تحالف عزم أن منصب رئيس مجلس النواب هو الاستحقاق الرسمي الأعلى للعرب السنة، وهو حق للمكون وليس حصة لجهة محددة. وتاريخياً، منذ عام 2005، خضع هذا المنصب لـ التوافقية السياسية والتراتبية الجغرافية (بغداد، ثم الموصل، ثم ديالى، ثم الأنبار)، ولم يكن العدد هو المعيار الوحيد؛ بدليل توافق القوى السنية عام 2014 على السيد سليم الجبوري رغم امتلاكه 6 مقاعد فقط. إن ما حدث في عام 2021 كان "انقلاباً غير مبرر" على هذه الأعراف المستقرة، وهو ما يسعى المجلس السياسي لتصحيحه عبر إنهاء حالة الهيمنة.
معايير القائد والتحول نحو "الشراكة"
وضع تحالف "عزم" معايير دقيقة لمن يشغل هذا المنصب السيادي، تضمن وصول شخصية قادرة على تحمل مسؤولية المرحلة:
* القيادة الحقيقية: أن يكون مرشحاً من "الخط الأول" في المجلس السياسي (صاحب قرار وليس موظفاً لدى جهة).
* المقبولية الوطنية: شخصية قوية وغير جدلية، تحظى بقبول المكون السني ولا يعترض عليها الفضاء الوطني.
* بناء الجسور: القدرة على نسج التحالفات وبناء العلاقات، بدلاً من شخصية سريعة في كسب العداوات وفقدان الأصدقاء.
* تفعيل المؤسسة: إعادة الهيبة للدور التشريعي والرقابي للبرلمان، تفعيل اللجان، طرح القوانين المجمدة، ومنع تحويل البرلمان إلى منصة لتصفية الحسابات.
إن الهدف هو الانتقال من مجرد "المشاركة" إلى "الشراكة الحقيقية" مع الكرد والشيعة، وحماية حقوق العرب السنة بعيداً عن استخدامها وسيلة للحفاظ على السلطة أو المتاجرة بها.
مشهد الترشيح: صراع المنهج والمبدأ
بناءً على هذه الصفات، قدم تحالف عزم شخص رئيسه الأستاذ مثنى السامرائي للرئاسة، وكان الاتفاق في أول جلسة للمجلس السياسي على تقديم مرشحين (السامرائي والحلبوسي أو من ينوب عنه). ورغم سير الاجتماعات على هذا المسار، ظهر في الاجتماع الأخير إصرار طرف على التفرد وتقديم شخصية وحيدة، وهو ما يرفضه "عزم"؛ فالديمقراطية تقوم على التصويت لا التزكية، والذهاب بمرشحين هو سلوك سياسي طبيعي وليس دليل ضعف.
ختاماً، إن حالة التباين الحالية تكشف عن صراع بين منهجين: منهج يريد فرض الهيمنة والتفرد بشعار "تجلسون في آخر الدواوين"، وبين منهج "الطاولة المستديرة" الذي يمثله "عزم" بالترفع عن الخلافات والجلوس كإخوة متساوين. إن هذا الاختلاف هو حالة صحية لكتل ليست حزباً واحداً، ويتعامل معها تحالف عزم بروح الحكمة والحرص على استمرار المجلس السياسي رغم تراكمات خصومة العشر سنوات الماضية.
