هادي جلو مرعي
في الديمقراطيات الحديثة تتاح الفرصة للجمهور أن يشارك برأيه في تشكيل البرلمانات، وإنتخاب الرؤساء والمسؤولين، ويقابل ذلك حق لهذا الجمهور أن يمتنع عن المشاركة دون أن يمارس دورا في منعها، وهناك جمهور يعلن المقاطعة، وهو أسلوب متقدم يعبر عن مستوى من الرفض للسائد، أو عدم قدرة على التعاطي مع طبيعة الأوضاع السياسية، وهو ما توضح خلال الفترة الماضية حين أعلن التيار الصدري المقاطعة الكاملة للإنتخابات تلك، وعدم إيمانه بالمشاركة فيها، واليأس من التغيير والإصلاح، مع وجود قوى تقليدية متهمة بالفساد، ومنع أي محاولة لتغيير الأوضاع التي لايتوفر مايؤكد إمكانية تغييرها.
القوى السياسية تباينت المواقف لديها من قرار المقاطعة الصدرية للإنتخابات. ففي حين تعرض التيار الصدري للنقد من قوى شيعية ووسائل إعلام ومدونين ومحللين مقربين من الإطار التنسيقي، فإن قوى أخرى من تيارات اليسار والمستقلين وأحزاب وتجمعات شيعية لم تصدر أي بيان ينتقد ذلك القرار، وبعضها أيد الخطوة وآخرون عدوها ممارسة طبيعية، ولاتضر بالعملية السياسية، بل هي إشارة متقدمة للرفض الذي يبديه التيار الصدري لممارسات لاتنسجم ورؤيته التي تعتمد رغبة الإصلاح، والتغيير على صعد شتى سياسية وإقتصادية ومحاسبة المفسدين.
القوى السنية كان لها رأي واضح وصريح وبراغماتي مرتبط بالخصوصية التي عليها الطيف بقواه المختلفة، والذي لايريد أن تلقى عليه اللائمة في تعطيل العملية السياسية لوجود قوى ممثلة للسنة تشارك في الإنتخابات لتحصل على حقوق جمهور كبير ينشد ضمانات سياسية وأمنية وإقتصادية، ولعل ماقاله رئيس تحالف العزم مثنى السامرائي لوسائل إعلام محلية يعبر عن رؤية سياسية واضحة، ويعبر أيضا عن رأي القوى السنية الفاعلة من تلك المقاطعة، وعلاقتها بالقوى السياسية، وحرصها على المشاركة في الإنتخابات حيث قال السامرائي: عدم مشاركة التيار الصدري في الإنتخابات مؤلم لنا كعراقيين جميعا، لكننا نحترم قرارهم، وأضاف : المقاطعة لا تخدم العراقيين، لذلك أدعو الجميع للمشاركة الفاعلة في الإنتخابات.
هو من جهة عبر عن الألم بسبب عدم مشاركة التيار الصدري، ومرد ذلك يعود الى إدراك أهمية وجوده في العملية السياسية لمنع التفرد بالقرار الوطني، ووجود قوى متعددة منافسة تعطي زخما للفعل السياسي، والحراك الذي يستهدف التغيير والإصلاح، ومن جهة ثانية دعا الى المشاركة الواسعة في الإنتخابات المقبلة لتأكيد الحضور الشعبي الذي يساهم في توفير فرصة تاريخية لتعديل المسار الذي عليه العملية السياسية التي قد تضطرب في أية لحظة. فإحترام قرار من هذا الشكل ينم عن فهم عميق لطبيعة الأوضاع في العراق.