JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
BASRAH WEATHER
الصفحة الرئيسية

المجلس السياسي الوطني (السني): شعار أم واقع؟


 بقلم: الدكتور مظاهر حسن

يُعدّ «المجلس السياسي الوطني السني» أهم محاولة سياسية لأهل السُّنة في العراق بعد عام 2003 للخروج من حالة التشرذم المزمن والعودة إلى معادلة السلطة. فهذا المجلس ليس نتاج تقارب طبيعي بقدر ما هو ثمرة إكراه تاريخي وتجارب إخفاق متكرّرة وإدراك متأخّر لقواعد اللعبة الجديدة للسلطة في عراق ما بعد صدام. وتكمن أهميته في أنّ النخب السنية توصّلت، وللمرة الأولى، إلى قناعة مفادها أنّه من دون حدٍّ أدنى من التماسك، فإن البقاء نفسه داخل بنية السلطة يصبح أمراً متعذّراً.


ويُظهر استعراض الجذور التاريخية أنّ السياسة السنية انتقلت من إنكار النظام الجديد خلال الأعوام 2003–2005، إلى مشاركة ناقصة بين 2006 و2010، ثم إلى الفرصة الضائعة لتحالف «العراقية» عام 2010، وصولاً إلى الانهيار الاجتماعي والسياسي عقب ظهور تنظيم داعش خلال الأعوام 2014–2017. أمّا مرحلة ما بعد داعش، ولا سيّما منذ عام 2018 فصاعداً، فقد أدخلت السياسة السنية في طور «شخصنة» السلطة؛ وهو طور أتاح عودة نسبية إلى المؤسّسات الرسمية، لكنه حال دون تبلور مرجعية جماعية. وفي هذا السياق المأزوم وغير المستقرّ، تشكّل «المجلس السياسي الوطني السني».


وتعكس تركيبة القوى المكوِّنة للإطار هذه الحقيقة بوضوح. فحضور أحزاب وشخصيات ذات ثقل برلماني وخبرة في الحكم يمنح الإطار وزناً عددياً، غير أنّ التباين الحاد في المصالح والتنافس الخفي على قيادة «البيت السني» يجعلان تماسكه هشّاً. لذلك، فإن المجلس أقرب إلى ائتلاف نخبوي تتبدّل درجة انسجامه تبعاً للظروف وموازين القوى، منه إلى مشروع مؤسسي راسخ.


ويركّز خطاب أعضاء «المجلس السني» على مفاهيم الوحدة والشراكة والاستقرار، غير أنّ الفجوة بين القول والفعل تُعدّ سمة ثابتة فيه. فخطابات الوحدة غالباً ما تتراجع في اللحظات الحرجة لصالح سلوكيات متفرّقة وصفقات فردية. وهذه الفجوة لا تُضعف مصداقية الإطار لدى المكوّنات الأخرى فحسب، بل تُسهم أيضاً في تآكل ثقة المجتمع السني به.


وتعكس أهداف «المجلس السني»—من تثبيت الموقع السياسي والمؤسسي، إلى معالجة الملفات الأمنية والقانونية والاقتصادية—مطالب حقيقية ومتراكمة لأهل السُّنة. غير أنّ الإشكال الرئيس لا يكمن في تعريف الأهداف بقدر ما يكمن في القدرة على تحقيقها. فضعف البناء المؤسسي، وغياب برنامج تنفيذي مكتوب، والخلافات الداخلية، كلّها عوامل تزيد المسافة بين الهدف والواقع.


كما تُظهر الممارسات العملية للإطار أنّه ما يزال في مرحلة إدارة الأزمات الظرفية. فالتنسيقات البرلمانية المحدودة، والمفاوضات غير المستقرّة مع المكوّنات الأخرى، والمبادرات الفردية في مجال إعادة الإعمار، لم تتحوّل إلى برنامج متكامل وطويل الأمد، الأمر الذي قلّص الآمال الاجتماعية بإحداث تغيير حقيقي.


وتؤدي العوائق والتحدّيات—الداخلية والخارجية على السواء—دوراً حاسماً في تضييق آفاق «المجلس السني». فالخلافات الشخصية، وانعدام الثقة التاريخي، وغياب ثقافة القرار الجماعي، والتدخّلات الخارجية، تُشكّل شبكة ضغوط تُنهك التماسك. وفي مثل هذه الظروف، لا تضمن حتى ضرورة البقاء استمرار المشروع.


وتشير قراءة استشرافية للمستقبل إلى أنّ المسار الأرجح أمام «المجلس السني» هو بقاءٌ تآكلي؛ فلا هو يتكرّس مؤسّسياً على نحو كامل، ولا ينهار بسرعة. ومن المرجّح أن يواصل أداء أدوار ظرفية في مساومات سياسية، من دون قدرة على إحداث تغيير جذري في معادلات القوة. أمّا الأمل في نجاح مستدام، فهو—في أفضل الأحوال—محدود ومشروط بكبح الخلافات الداخلية وتقليص الارتهان للعوامل الخارجية.


إن ارتباط مصير «المجلس السني» بمسار اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة المقبلة يضع هذا المشروع أمام اختبار جدّي. وتشير المعطيات المتوافرة إلى أنّ احتمال الاضطلاع بدور حاسم يبقى ضعيفاً بفعل تعدّد الأصوات والضغوط البنيوية. وفي أفضل السيناريوهات، قد يتحوّل الإطار إلى شريك مؤثّر غير مهيمن؛ دور يظلّ معرّضاً للتقويض على الدوام.


وخلاصة القول، ينبغي النظر إلى «المجلس السني» بوصفه مشروعاً ضرورياً لكنه هشّ. فإذا لم يتمكّن من تجاوز السياسة الفردانية، وإعطاء الأولوية لبناء مؤسسي حقيقي، والحفاظ على قدرٍ نسبي من الاستقلال عن التدخّلات الخارجية، فمن المرجّح أن يتحوّل إلى فرصة أخرى مهدورة في تاريخ السياسة السنية في العراق. فالأمل في استمراره ونجاحه قائم، لكنه أمل ضعيف ومشروط وغير مستقر؛ أمل يتوقّف، قبل أي شيء، على القدرة على إدارة الخلافات داخل البيت السني، لا على الوعود الخارجية أو التفاهمات الظرفية.

الاسمبريد إلكترونيرسالة