احتضنت العاصمة البريطانية لندن يومي 18 و19 أكتوبر 2025 أعمال المؤتمر الدولي للذكاء الاصطناعي في المجالات الطبية والعلوم المساندة، في حدثٍ علمي بارز جمع نخبة من العلماء والأطباء والباحثين والخبراء من مختلف دول العالم، في حوار علمي عميق حول مستقبل الطب الذكي والرعاية الصحية الرقمية.
شهد المؤتمر مشاركة عراقية فاعلة ضمّت وفدًا رسميًا وعلميًا تقدّمه الدكتور أحمد الجبوري القائم بأعمال سفارة جمهورية العراق في المملكة المتحدة، والدكتور قصي الأحمدي الملحق الثقافي العراقي في بريطانيا، والدكتور مشرق التميمي ممثل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية، إلى جانب نخبة من الأكاديميين والأطباء العراقيين المقيمين في المملكة المتحدة.
افتتح المؤتمر أعماله الأستاذ الدكتور محمد سامي العبادي رئيس المؤتمر وأستاذ الأمراض الجلدية واستشاري هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) بكلمة ترحيبية أكد فيها أن الذكاء الاصطناعي أصبح شريكًا أساسيًا للطبيب في بناء منظومات تشخيصية دقيقة، مشددًا على أهمية تطوير التعاون العلمي بين الجامعات والمؤسسات الطبية العالمية.
شهدت الجلسات العلمية تقديم مجموعة من المحاضرات المتميزة، تصدّرها الأستاذ الدكتور محمد العبادي بمحاضرته الموسّعة بعنوان
الذكاء الاصطناعي والأمراض الجلدية نحو كشف مبكر لسرطان الجلد وتطوير أسس التعاون العلمي بين الجمعية العراقية والبريطانية للأمراض الجلدية .
تحدث خلالها عن التقنيات الحديثة التي تمكّن من الكشف المبكر عن سرطان الجلد قبل حدوثه عبر خوارزميات متطورة لتحليل الصور الجلدية والتغيرات الخلوية الدقيقة، مشددًا على أهمية بناء شراكات بحثية تسهم في تحسين التشخيص والعلاج الوقائي.
قدّم بعدها الأستاذ الدكتور ضياء الجميلي رئيس اللجنة التقنية للمؤتمر وأستاذ الذكاء الاصطناعي في جامعة جون مورز ليفربول – عرضًا متقدمًا بعنوان
(الريبورت الطبي الذكي نحو نظام صحي قائم على التحليل المعمق للبيانات).
استعرض فيه تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تحليل الصور الشعاعية وربط نتائج المختبر بالسجلات السريرية، مما يتيح للطبيب اتخاذ قرارات علاجية دقيقة في وقت قياسي.
وقد لفتت الروبوت التفاعلية (Amey) الأنظار خلال المؤتمر، وهي فتاة آلية تجسّد الدمج بين الذكاء الصناعي والذكاء العاطفي، إذ أظهرت قدرة مدهشة على تحليل تعابير الوجه ونبرة الصوت، لتقدّم استجابات تفاعلية إنسانية أثناء التواصل مع الأطباء. وقد أثار عرضها نقاشًا واسعًا حول مستقبل الطب الإنساني الذكي .
كما ألقى الدكتور المستشار فارس كبه محاضرة علمية مهمة بعنوان
(تشخيص الأمراض من خلال الفحوصات النسيجية بالميكروسكوب الذكي).
تناول فيها التطور الحاصل في تحليل الشرائح النسيجية عبر تقنيات الرؤية الحاسوبية والتعلم العميق، موضحًا كيف يمكن لهذه الأدوات أن ترفع من دقة التشخيص النسيجي وتقلل من الأخطاء البشرية.
فيما قدّم الدكتور علي البحراني محاضرة بعنوان
(المساهمة الإيجابية للذكاء الاصطناعي في تشخيص الأمراض من خلال الفحوصات الطبية المختبرية)،
تحدث خلالها عن التحول الرقمي في المختبرات الطبية ودور الذكاء الاصطناعي في تسريع التحليل وتحسين جودة النتائج المخبرية، مؤكدًا أن المستقبل الطبي يتجه نحو منظومات تحليلية مترابطة قائمة على الذكاء الاصطناعي.
وشهد المؤتمر كذلك محاضرات نوعية أخرى لعدد من الخبراء البارزين، من بينهم
الأستاذ الدكتور سلمان الرواف مدير مركز منظمة الصحة العالمية للتدريب والتعليم في كلية إمبريال لندن الذي قدّم بحثًا عن استخدام الذكاء الاصطناعي في مراقبة الأوبئة ودعم الصحة العامة.
الأستاذة الدكتورة أريانا خالص البرزنجي رئيسة المجلس الأعلى للاختصاصات الطبية في إقليم كردستان العراق تحدثت عن دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم الطبي ومناهج التدريب السريري.
الأستاذ الدكتور علي الشرباز جامعة كامبريدج عرض تجربة الجامعة في التحول الرقمي للتعليم الطبي عبر المنصات التعليمية الذكية.
الأستاذ الدكتور باتريك كوت جامعة ليفربول تناول بحثه استخدام النماذج الذكية في التنبؤ بالأمراض المعدية.
الأستاذ الدكتور دياري قادر هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) قدّم ورقة حول دمج الأنظمة الذكية في جراحة العظام وتحسين تجربة المرضى في المستشفيات.
الأستاذ الدكتور يي تشه سونغ جامعة سري قدّم عرضًا عن خوارزميات تعلم الآلة في الكشف المبكر عن الأورام.
الأستاذ الدكتور فراس كرمو جامعة وين ستيت الولايات المتحدة استعرض بحثًا متقدمًا حول استخدام الذكاء الاصطناعي في الجراحة التجميلية وإعادة البناء.
اليوم الثاني
في اليوم الثاني من المؤتمر، تولّى الأستاذ الدكتور محمد العبادي إدارة الجلسات العلمية التي تناولت أحدث التطورات في الطب الرقمي والذكاء السريري، وأدار النقاشات العلمية بمهنية عالية.
كما شهد اليوم اجتماعًا موسّعًا ضم الدكتور العبادي، والأستاذ الدكتور ضياء الجميلي، والدكتور قصي الأحمدي الملحق الثقافي العراقي في بريطانيا وعددًا من رؤساء الجامعات العراقية وعمادات الكليات الطبية والهندسية.
تناول الاجتماع سبل تعزيز التعاون البحثي بين العراق والمملكة المتحدة من خلال إطلاق برامج دراسات عليا مشتركة وتبادل الخبرات في مجالات الذكاء الاصطناعي الطبي.
وطرح المجتمعون مقترحات عملية أهمها إنشاء منصة وطنية عراقية للذكاء الاصطناعي الطبي تربط بين الجامعات والمستشفيات ومراكز البحث، وبناء قاعدة بيانات وطنية موحدة للأمراض والتحاليل السريرية، بما يسهم في دعم البحث العلمي وصنع القرار الصحي.
اختتم المؤتمر أعماله بالتأكيد على
1.وضع أطر تشريعية وتنظيمية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الطب.
2.تطوير منصات وطنية طبية ذكية وقواعد بيانات متكاملة.
3.دعم برامج التدريب للأطباء على استخدام الأدوات الرقمية الحديثة.
4.تعزيز الشراكات الدولية في مجالات الطب الرقمي والرعاية الذكية.
وأكد المشاركون أن توظيف الذكاء الاصطناعي في خدمة الإنسان هو أكثر المظاهر الإنسانية للتطور العلمي، وأن الجمع بين الخبرة البشرية والتحليل الذكي للبيانات سيقود الطب إلى مرحلة جديدة من الدقة، الكفاءة، والرحمة في آنٍ واحد.
