هادي جلو مرعي
رغم كل مافعله من أجلها ظلت تناكفه، وتمتنع عن الإعتراف بمعاناته من أجلها، والتضحيات التي قدمها طوال سنين مرت كابد فيها الألم، والبرد والحر، وتحمل إذلال البعض من أشباه الرجال، وذوي المناصب الرفيعة والأعمال الذين رماه حظه السيء في طريقهم ليكابد الألم والمعاناة، ويصبر ماتمكن من الصبر لعله يصل الى غايته التي لاتدرك، فهو في سباق مع الزمن والذات ليحصل على مايستطيع من مكاسب ربما هيأت له السبيل الى إرضاء تلك الزوجة المعاندة والمتجبرة التي لاتقتنع إلا بماشاءت أن تقتنع به وفقا لمعادلة المزاج الرايق، أو المزاج المتضايق، وعلى قاعدة.. إنت وحظك، ليس أكثر.
حاول كثيرا، وتحمل المشاق لتحقيق حلم من أحلامها، ولكنه لم يستطع أن يحقق الكثير، وظل يتحين الفرص حتى مكنته الأقدار، ووجد لها منصبا لايحلم به كثر من الناس، بل القلة، وحتى القلة فهم يتقلصون حتى ينتهون الى واحد يحصل على المنصب الرفيع ذاك، وهو منصب رئيس الجمهورية الذي يمتلك صلاحيات تنفيذية واسعة، وبيده قرارات حاسمة تتعلق بمصير الدولة والشعب، وبإمكانه أن يقوم بأشياء لايقوم بها غيره، ويفعل الكثير، ويعود إليه أمر المؤسسات والوزارات والدوائر المهمة، ومنها دوائر الأمن التي يرتجف عامة الناس حين تذكر في محفل، ويتهيبونها، ولايقتربون منها لاجسديا، ولا باللسان. وعلى قاعدة.. ينقطع لساني لو ذكرتك يوما !
مرت مراسيم التعيين وسط إحتفالات إستثنائية إستمرت لأسابيع، وزعت خلالها المكارم المالية، ونصبت الموائد التي حوت مالذ وطاب من أطايب الطعام والشراب، حضرها الصغار والكبار، والشيوخ والشباب، ونقلت تلك الإحتفالات عبر شاشات التلفاز بطريقة تشبه الإعجاز، فقد أستخدمت تقنيات حديثة لم تستخدم في السابق، وكان إستخدامها للمرة الأولى بإعتبار قيمة المناسبة، وجسامة الحدث، وخلال تلك الأيام نسيت الزوجة زوجها، ولم تعد تذكره مطلقا بإستثناء إنها كانت تسأل عن الأبناء نزولا عند غريزة الأمومة التي يستسلم لها الجميع، وينقاد لها طائعا بخضوع.
مرت الأيام، وإستقرت الزوجة في منصبها الرفيع، وتمكنت من السيطرة على أجهزة الدولة جميعها، وفي ليلة ليلاء، وقد تمكن منها الكبرياء سألت مسؤولا رفيعا في الأمن العام عن زوجها بعد أن راودها الشيطان أن الزوج إنما عينها في هذا المنصب ليتخلص منها، ولتنشغل عنه بأمور العامة، فأصدرت مرسوما بإحضاره الى أحد فروع الأمن وكان يواجه سيلا من الشتائم والتعليق في المروحة، وحبسه في زنزانة مظلمة مع سكب المياه الباردة على جسده الذاوي بعد أن حرم من الطعام والشراب والضوء والنوم، وكان السؤال الذي طلب منه الإجابة عنه : لماذا جعلتني رئيسا للجمهورية؟ ووضعت أمامه على الطاولة ورقة لم يتبين ماكتب فيها فقد غطت الدماء عينيه، وتيبس منها ماتيبس على جفنيه. وكان طلب المحقق واضحا، إعترف لماذا جعلت زوجتك رئيسا للجمهورية مقابل أن نخفف عنك العقوبة؟ بينما كان الرجل ذاهلا حائرا، وقد سلب منه عقله، وفي سره تحير في الجواب، وتغير عليه كل شيء، وأجاب إنها زوجتي، وحاولت إرضاءها بهذا المنصب، والله على ماأقول شهيد.. لكن المحقق لم يقتنع لأن الزوجة الرئيس لن تقتنع. وطالما أن لاإعتراف فلم نعد نسمع شيئا عن الزوج سيء الحظ الذي طوي ذكره، ونسي أمره، وضاع عمره..