JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
BASRAH WEATHER
Accueil

نساء على حافة البرد البالة كملاذ أخير للدفء


 مريم الفرطوسي

مع كل شتاء قاسٍ، تتجدد معاناة آلاف النساء الفقيرات في القرى والأحياء العشوائية بمحافظة المثنى، حيث لم يعد البحث عن الدفء رفاهية، بل صراعًا يوميًا تفرضه قلة الدخل وغياب البدائل. في هذه البيئات الهشة، أصبحت أسواق الملابس المستعملة، المعروفة محليًا بـ“البالة”، الخيار شبه الوحيد لتأمين معاطف وملابس شتوية تقي بردًا لا يرحم.


دفء الضرورة لا الاختيار


تقول أم أحمد، وهي معيلة لأسرتها المكوّنة من خمسة أفراد، إن دخولها سوق البالة لم يكن يومًا بدافع الرغبة، بل بسبب العجز عن شراء الملابس الجديدة. “المعطف الجديد يعادل مصروف أسبوع كامل، بينما أستطيع من البالة شراء ملابس لي ولأطفالي بسعر أقل، حتى لو كانت مستعملة”، تضيف بصوت يختلط فيه الخجل بالحسرة.

هذا الواقع لا يقتصر على حالات فردية، بل يعكس ظاهرة آخذة في الاتساع، تؤكدها منظمات المجتمع المدني والناشطون الاجتماعيون في المحافظة.


النساء المعيلات… الفقر يدفع إلى البالة


في هذا السياق، توضح الدكتورة نور ساجد، رئيسة مؤسسة أليس لحقوق المرأة والطفل، أن غالبية النساء اللواتي يلجأن إلى شراء الملابس المستعملة هنّ من المعيلات لأسرهن، خاصة في القرى النائية والأحياء العشوائية.

وتقول: “النساء في المثنى يعانين من نسب فقر مرتفعة، ومع ارتفاع أسعار الملابس الشتوية، أصبحت البالة حلًا اضطراريًا. هؤلاء النساء لا يبحثن عن الموضة، بل عن قطعة تقي أبناءهن البرد بأقل كلفة ممكنة”.

وتشير ساجد إلى أن ضعف شبكات الحماية الاجتماعية وقلّة فرص العمل للنساء فاقمت من هذه الظاهرة، ما جعل أسواق البالة جزءًا من الاقتصاد اليومي للفقراء، لا مجرد سوق هامشي.


مخاطر صحية كامنة


ورغم كون البالة متنفسًا اقتصاديًا، إلا أنها تحمل في طياتها مخاطر صحية، تحذر منها الدكتورة هيفاء ناجي، أستاذة جامعية متخصصة في المجال الصحي.

توضح ناجي أن “الملابس المستعملة قد تكون ناقلًا لميكروبات وفطريات وبكتيريا، خاصة إذا لم تُغسل وتُعقم بشكل جيد قبل ارتدائها”.

وتضيف أن بعض الأمراض الجلدية والحساسية قد تنتقل عبر هذه الملابس، لا سيما للأطفال وكبار السن، مشددة على ضرورة غسلها بالماء الساخن وكيّها جيدًا قبل الاستخدام.


من الحاجة إلى مشروع ناجح


في زاوية أخرى من المشهد، تظهر قصة مختلفة تحمل بعدًا اقتصاديًا. نادية، رائدة أعمال محلية، اختارت تحويل تجارة الملابس المستعملة إلى مشروع منظم.

تقول نادية إنها تعمل في هذا المجال منذ سبعة أعوام، حيث تقوم بشراء الملابس المستعملة، ثم غسلها وتعقيمها وكيّها، قبل عرضها للبيع بأسعار مناسبة.

“الطلب يزداد في الشتاء بشكل كبير، والنساء يبحثن عن ملابس نظيفة وآمنة وبسعر مقبول”، توضح نادية، مشيرة إلى أن مشروعها مكّنها من تحقيق أرباح جيدة، إضافة إلى توفير فرص عمل لعدد من الشابات في محلها المنزلي.


بين البرد والكرامة


بين من تشتري البالة بدافع الحاجة، ومن تحوّلها إلى فرصة عمل، تبقى الحقيقة واحدة: نساء كثيرات يقفن على حافة البرد، يواجهن الشتاء بإمكانات محدودة وخيارات قاسية.

وفي ظل غياب حلول جذرية للفقر، تظل أسواق البالة شاهدًا صامتًا على معاناة النساء، ومرآة تعكس واقعًا اجتماعيًا يحتاج إلى تدخلات أعمق تضمن لهنّ دفئًا لا يمس كرامتهن.



NomE-mailMessage