في قلب بغداد، كان هناك قصر ضخم يجمع بين جدرانه فئات من المواطنين مختلفة، توحّدهم غاية واحدة وشعار واحد: خدمة الوطن.
القصر كان فخمًا إلى حدّ المبالغة؛ الأثاث المستورد يملأ أرجاءه، والورد بألوان عدة يزيّن حديقته، وأمام بواباته تصطف السيارات الفارهة، بينما يعانق غروب الشمس من ضفة الشط لوحة من الرفاه والبذخ.
من داخله كانت تتفرع مكاتب تمتد إلى المحافظات، كلها تحمل ذات الإسم، وذات الوعود.
كانوا يجتمعون على طاولة واحدة، يتحدثون بكلام واحد، وشعار واحد، وهمّهم الأكبر كسب الأصوات.
كانت القصة أشبه بحلم جميل، ومنطق الوطنية يصدح في المكان، وشعارهم يلوّن الجدران بلونٍ فاقع، ولوحاتهم الرنانة تملأ زوايا الوطن.
حب الوطن عند بعضهم كان مؤقتًا…
يولد في وقتٍ محدد، ويختفي بعد فترة وجيزة.
يظهر حين تقترب الانتخابات، فيُفتح باب المساعدات وتُرفع الصور وتُوزّع الابتسامات، ثم يختفي كل شيء بمجرد أن تنطفئ الأضواء.
ثم جاء الصمت… وإختفى القصر، وإختفى الشعار، وغابت الوجوه التي كانت تملأ المكان ضجيجًا ووعودًا.
توارى الجميع خلف السيارات المظللة، كأنهم لم يكونوا يومًا هنا.
وبقي الوطن وحده، ينتظر من يحبّه في كل وقت، لا في موسم المصالح.
الوطن لا يحتاج قصورًا، ولا شعارات، بل القلوبً الصادقة التي تؤمن أن خدمته عهدٌ لا مناسبة .
