🖋️ عمر الناصر
في زمنٍ تُقاس فيه الدول بمستوى حضورها الخارجي، يتحوّل المنصب الدبلوماسي إلى نافذة تعكس وجه الوطن، وهيبته، وثقافته، ومدى قدرته على إدارة علاقاته الدولية. لكن في العراق، يبدو أن “سعادة السفير” لا يحتاج اليوم إلا إلى مهارة واحدة وهي القدرة على "الشهيق والزفير" أما الكفاءة واللغة والخبرة، فهذه تعد من الامور الرفاهية “غير الضرورية” في قاموس توزيع المناصب كغنائم حزبية لا كمسؤوليات وطنية مؤسساتية.
من أبسط شروط العمل الدبلوماسي في كل دول العالم امتلاك لغة أجنبية واحدة على الأقل. لكن لدينا أصبح السفير يدخل قاعات الاجتماعات الدولية وهو يعتمد على مترجم شاب يعمل بنظام الساعات المضاعفة لتغطية فجوة مهنية لا يمكن ترقيعها ببدعة المحسوبية. والأسوأ أن بعضهم لا يستطيع حتى صياغة جملة عربية سليمة أمام ميكروفون أو بيان رسمي يعكس رؤية الدولة في المحافل الدولية والاقليمية. فكيف يمكن لسفير لا يجيد لغة البلد الذي يذهب اليه ليدافع عن مصالح بلده؟ وتكون له قدرة التفاوض؟ ويشرح موقف الحكومة؟ويشارك ويعزز اراءه بنقاشات سياسية معقدة؟ الجواب بسيط ومخجل: لا يستطيع ! وهنا اود الإفصاح بأن الدبلوماسية ليست مقعداً وبدلة وربطة عنق من دار ڤيرساتشي ، بل هي مدرسة متكاملة من العلمية، اللغة، الرصانة، المعرفة، القدرة على التفكير والتحليل، والمهارة في إدارة المفاوضات التي يشارك معهد الخدمة الخارجية بانتاج هذه الادوات.
المنصب صار مكافأة بداية الخدمة وليس مسؤولية لان المشكلة ليست في الأشخاص، بل في منظومة محاصصاتية لا ترى في الدبلوماسي سوى “تمثيل حزبي متنقّل” يُمنح المنصب لمن هو مدعوم حزبياً خصوصاً بأن هنالك فرق شاسع بين "من يملئ المكان وهنالك من يملئ الفراغ"، او قد يكون انضمّ لحملة انتخابية او تربطه علاقة قرابة أو مصلحة أو شكّل وجوده خارج البلد فرصة لإبعاده عن الداخل ، وبهذه الطريقة يصبح السفير أحياناً عاجزاً عن كتابة تقرير سياسي محترم، أو قراءة وثيقة قانونية أو إعداد مذكرة تفاهم دون الاستعانة بمستشاريه.
وهنا اقول ان التمثيل الدبلوماسي هي الغدة اللمفاوية المناعية لجسد الدولة التي تمنح السيادة الوطنية جدار ناري ”Fire wall” يواجه الاخطار والتحديات قبل وصولها لعمق الدولة، فعندما يكون “سعادة السفير” مجرد واجهة فإن سمعة الدولة تتراجع، وصوت العراق في الخارج يخفت ويتلاشى تأثيره ، وتُفهم رسائلنا الدولية بشكل مبتور أو مشوّه، والانكى من ذلك أن الدول الأخرى باتت تعلم أن بعض سفرائنا لا يمثلون مؤسسات، بل يمثلون كتلهم السياسية التي دفعتهم نحو هذا المنصب.
انتهى //
خارج النص //اصلاح هذه المنظومة من الأساس، يكون عبر فلاتر واختبارات صارمة للمعيارية واللغة ، فالدولة التي يمثلها سفير بلا لغة وبلا خبرة هي دولة تتنفس بربع رئة.
