بقلم نورا المرشدي
على أبواب المشرحة لا يبدأ المشهد من الداخل كما يعتقد كثيرون بل من تلك اللحظة التي تتوقف فيها الحقيقة عن السير في طرق ملتوية وتختار أن تكتب بيد العلم لا بلسان البشر هنا في هذا المكان الصامت تتكوّم الحكايات التي حاول البعض دفنها وتظهر الحقائق التي أريد لها أن تختفي خلف جدار من الخوف أو التضليل
المشرحة ليست مساحة للموت فقط بل منصة للحق مكان تعاد فيه الكرامة لأصحابها ويبدأ منه طريق العدالة مهما طال
في مصر الحبيبة كثيرًا ما لعبت المشرحة دورًا حاسمًا في كشف وقائع حاول البعض طمسها في قضية الطفلة يسر التي هزّت الضمير الإنساني تضاربت الروايات وكثر الكلام وغابت الحقيقة وسط ضجيج منصات التواصل غير أن التقارير الطبية جاءت لتعيد الأمور إلى نصابها مؤكدة سبب الوفاة بعيدًا عن التهويل أو الإخفاء لتتحول نظرتها الأخيرة إلى شهادة صامتة تدافع عنها حين سكت الجميع
ولم تكن هذه القضية الوحيدة التي أعادت فيها المشرحة ترتيب الأحداث فهناك قضية الزوجة الثانية التي اتهمت بتسميم أطفال زوجها عبر طعام لوثته بمادة ضارة في حادثة أثارت غضبًا مجتمعيًا واسعًا ومع كثرة الروايات والتأويلات جاء الطب الشرعي ليضع النقطة الأخيرة في السطر مثبتًا تعرض الأطفال لمادة سامة ومؤكدًا ما حاول البعض إنكاره
هكذا تصبح المشرحة رغم صمت جدرانها كتابًا مفتوحًا لا يعرف المجاملة وحارسًا للبراءة حين تظلم ومنبرًا يرفع صوت الحقيقة حين تخنق في الخارج
وكلما دخلت عائلة تبحث عن جواب أدركت أن هذا الباب ليس باب نهاية بل باب بداية بداية طريق تنصف فيه الضحية وتحمل فيه المسؤولية لمن يستحقها بعيدًا عن الشائعات والانفعالات
إن ما يحدث على أبواب المشرحة ليس مجرد إجراءات رسمية بل لحظة مواجهة بين الإنسان والحقيقة لحظة تذكرنا بأن العدالة تبدأ من هنا من أبواب وأدوات التشريح من مكان يبدو جامدًا وهادئًا ظاهريًا لكنه الأكثر حياة في كشف ما غيب ونصرة من رحلوا بلا قدرة على الكلام.
